أمر
داديانوس جنودة أن يأخذوا القديس خارجاً و يخلعوا عنه ثيابه , و يشدوا على حقوبه
مئزرة و يرفعوه بين هنبازين فانعصرت أجنابه , و ترضضت عظامه , و قد تمزق جسده و
تناثر لحمه و سالت دماؤه على الارض ... ثم أمر بأن يؤتى بحذاء من حديد مع مسامير
محماة بالنار , ثم أمر جنده أن يلبسوه إياه فى حضرته ويسمروه فى فى رجليه بتلك المسامير
حتى لا ينخلع من رجليه .. وإذ تمموا هذا العمل أمر بأن يرقدوه على ظهره و يطرقوا
على بطنه ستمائة دبوس . و كان القديس صابرا على هذا العذاب جميعه لأن الرب كان
يثبت نفسه فى جسده . ثم أمر داديانوس أن يأتوا بمناجل من حديد حادة كالمناشير و
يمزقوا بها جسده . ثم أمر أن يأتوا بخل عتيق و يذيبوا فيه ملحا و يصبوه على
الجراحات التى فى جسده . و يمسحوا جسده بخرق من شعر . أما المغبوط فبلغ إلى حد
الموت , و كان الرب معه يثبت روحه فى جسده .
ثم
أمر الملك الكافر داديانوس أن يسمر جسده على لوح من خشب , ثم حملوه إلى السجن . و
أمر عشرة رجال أشداء أقوياء أن يدحرجوا قاعدة عامود و يضعونه على بطنه , و يغلق
عليه باب السجن . عند منتصف الليل ظهر نور عظيم فى السجن ,و إذا الرب يسوع المسيح
قد تجلى فى السجن و معه جوقة من الملائكة , و امتلأ المكان كله من رائحة الطيب . و
ناداه الرب قائلا : " انهض يا حبيبى جرجس . قم صحيحا من غير أن يكون فى جسدك
شىء من الفساد . " فللوقت نهض القديس فرحا مسرورا من غير أن يكون فى جسده شىء
من أثر الجراح , و خر ساجدا للرب متهللا برحمته . و للوقت ملأه الرب قوة , و قال
له : " انهض قائما يا حبيبى لأنى أكن معك حتى تخزى هؤلاء الملوك الكفرة
المنافقين . و الآن يا حبيبى جرجس كما أنه لم يقم من مواليد النساء من هو أعظم من
يوحنا المعمدان , كذلك أيضا لن يكون فى الشهداء من يشبهك , و لا يكون لك نظير فيهم
إلى الأبد . و سوف تقيم سبع سنين فى العذاب و تموت ثلاث ميتات و أنا أقيمك , و فى
الدفعة الرابعة آتى إليك على سحاب النور مع طغمات العلويين و آخذ وديعتى تلك التى
أودعتها فى جسدك . و الآن , اثبت و تقو و لا تتزعزع لأنى أكون معك . "
و
لما قال له المخلص هذا , ملأه من القوة و الفرح و أعطاه السلام , و صعد إلى
السموات مع ملائكتة بمجد عظيم ... و القديس ينظر إليه .
مكث
القديس بعد ذلك فرحا متهللا يمجد الله و يسبحه إلى أن أشرق نور الصباح . حينئذ أمر
الملك داديانوس و الذين معه أن يذهب الأعوان إلى السجن و ينظروا هل جرجس ما زال
باقيا على قيد الحيلة أم لا . فلما فتح الجند باب السجن و تطلعوا , إذا القديس
قائما يصلى ووجهه يضىء كالشمس من غير أن يكون فى جسده أى أثر للعذاب البتة .
فرجعوا إلى الخلف مسرعين من شدة الهلع لما رأوا , و عادوا مسرعين و أعلموا الملوك
بكل شىء . حينئذ أمر داديانوس أن يخرجوه من السجن و يحضروه بين يديه فى مجلس الحكم
. و كان القديس يردد قائلا قول السيد المسيح : " و لا تخافوا من الذين يقتلون
الجسد و لكن النفس لا يقدرون ان يقتلونها . بل خافوا بى من الذى يقدر ان يهلك
النفس و الجسد كليهما فى جهنم " . ( مت 10 : 28 ) . فلما وصل إلى مجلس الحكم
قال له داديانوس من الذى شفاك يا جرجس ؟! قال القديس : أنتم لا تستحقون أن تسمعوا
منى اسم إلهى الحى الذى شفانى لأنكم لا تعبدون إلا شيطاناً داخل وثن .. آلهتكم
عديمة الحس , هى من حجارة , و كل من يعبدها يغرق فى بحر من الظلمات ... وهى لا
تستطيع أن تحميكم , و لا بد من ساعة تنزلون فيها بأوثانكم إلى قاع الجحيم .. لما
سمع الملوك هذا الكلام استشاطوا غيظا و حنقا , أمر أن يعلق القديس بين أربعة أوتاد
, و يضربونه مائة سوط على بطنه .. ثم أمر الملك أن يأتوا بجير حى , و يوضع على
جراحاته و قروحه جميعا ,ثم ويصبوا على جسده كبريت نذاب فى خل عتيق . ووكل لحراسته
ثمانية جنود يحفظونه إلى الغد , كانت هذه العذابات تؤلم القديس .. و شعر كأن
النيران تأكل جسده .. و إذ هو فى هذه الحالة نظر الرب المخلص إلى آلامه , فنزل
إليه من السماء و معه ملائكته الأطهار , و قال له رب المجد : " لك أقول يا
حبيبى جرجس انهض قائما صحيحا معافى من جميع آلامك . اثبت و تقوى لأنى كائن معك .
" عند ذلك قام القديس , و لمس الرب جسدة و شفاه من جميع ه و أعطاه السلام و
صعد إلى السموات بمجد عظيم . فقام القديس لوقته , و سجد لله , و ابتدأ يرتل و يسبح
ب عال . و الجنود من على بعد يسمعون و يندهشون .. لما تحقق الجنود من شفاء مارجرجس
ووجدوه يرسم علامة الصليب على وجهه و صدره .. ذهبوا إلى الملك و أخبروه بما شاهدوه
. أجاب داديانوس و قال : " إن جرجس ساحر عظيم . لذلك لن أحكم عليه دفعة أخرى
, و لا اسمع له كلاما إلى أن أظفر بساحر ماهر يفوقه . " و للوقت , كتب
داديانوس رسالة إلى كل مملكته قال فيها : " اعملوا أنى قد رسمت و طلبت إليكم
قائلاً إن كان ثمة ساحر موجود فى مملكتى يقدر أن يحل سحر النصارى فليأت إلى و أنا
أعطيه ثلث قنطار من الذهب وكل ما يتمنى من الأموال ويكون وزيراً فى مملكتى "
. لما تم نشر الخطاب , تقدم ساحر قوى فى عمل السحر اسمه ( أثناسيوس ) ووقف أمام
الإمبراطور قائلاً : ليعش الإمبراطور , لقد أتيت لأبطل سحر جرجس النصرانى , فمر أن
يؤتى به و سأبطل سحره .. قال له الإمبراطور : أى عمل تعمله أمامى الآن لأعلم أن
سحرك يفوق سحر النصارى ؟! أجابه أثناسيوس : احضروا لى ثوراً الآن . فلما أحضروه له
قام الساحر و تكلم فى اذنه فانشق لوقته إلى نصفين !! فابتهج داديانوس وقال له :
إنك لقادر أن تحل سحر النصارى !! قال له الساحر : لعلك تصبر قليلاً أيها
الإمبراطور لتعاين أعظم من هذا و أعجب !! ثم أمر فأحضروا له ميزاناً كبيراً , فقام
ووضع نصف الثور فى جانب , و النصف الآخر فى جانب , فوجدوهما متساويين فى الوزن
تماماً !! عند ذلك احضر الجنود القديس مارجرجس , وقال له الملك : " هوذا ساحر
قائم هاهنا . إما أن تبطل سحره أو يبطل سحرك . و إما أن تقتله أو يقتلك " .
فأجاب القديس : " لا يوجد من المسيحيين من يعمل شيئا من السحر " . ثم
قال للساحر : " أسرع و اصنع ما أردت أن تصنعه , لأنى أرى نعمة السيد المسيح
تدعوك " و للوقت تناول أثناسيوس الساحر كأس ماء بارد و أذاب به مجموعة من
العقاقير المهلكة فيها سم الموت وقرأ عليها أسماء شيطانية , و أعطاها للقديس .
فأخذها ورشمها بعلامة الصليب .. وشربها , ولم ينله مكروه البتة . فقال أثناسيوس :
" بقى عندى أمر آخر أمتحنك به , فإذا لم يصيبك شىء من السوء , أنا أيضا أؤمن
بيسوع المسيح . " ثم التفت إلى القديس ,و قال له : " أنا أعطيك كأسا
أخرى , فإذا لم يصبك مكروه أنا أؤمن بإلهك . " ثم أخذ كأسا و ملأها عقاقير
سحره , وقرأ عليها أسماء شيطانية مرعبة أشر من الأولى , و ناولها للقديس .
فتناولها و رشم عليها بعلامة الصليب المقدسثلاث مرات قائلا :" باسم الآب و
الابن و الروح القدس . "و شربها للوقت أمام الملك و الساحر , فلم ينله مكروه
البتة . فتعجب منه الساحر جدا لأنه لم يرى من قبل إنسانا قط استطاع أن ينجو من
سحره و ينتصر عليه , و طلب من مارجرجس أن يعرفه من هو يسوع المسيح و ما سر هذه
العلامة التى تبطل مفعول السم . فلما رأى القديس صدق رغبته و عظم أمانته , أرشده
للإيمان . و عند ذلك رفع أثناسيوس الساحر ه علانية أمام الملوك قائلا : " أنا
مسيحى مؤمن بإله مارجرجس . " فلما سمع الملوك الكفرة منه هذا الكلام , غضبوا
و أمروا أن يخرجوه خارج المدينة و ينزعوا رأسه بحد السيف , و هكذا أكمل أثناسيوس
شهادته فى اليوم الثالث و العشرين من شهر طوبة . شعر داديانوس بهزيمة مرة أمام القديس
بعد أن خذله الساحر أثناسيوس فأقسم أن يصنع آلة عذاب جديدة لإبادة الشهيد العظيم
.....
أمر
صناع المهرة من نجارين و حدادين أن يصنعوا عجلة هائلة مرتفعة جداً على شكل نورج
ويسمروا بها مائة مسمار مدبب طول كل واحد ذراع , وفيها مناجل حادة مسنونة , و
أطراف من حديد , و فى آخر النورج سهمين بأطراف حادة , وفى الناحية الأخرى سيوفاً
ماضية مشرشرة كالمناشير كالأطواق تلف الواحدة تلو الأخرى ... بعد إتمام صناعة هذا
النورج الوحشى , أمر فأحضروا له القديس فالتفت إليه قائلاً : يا جرجس : إن أنت
سجدت للإله أبولون ستأخذ من يدى تاج ملوكى , وإن كنت من أتباع يسوع فأنظر إلى هذه
العجلة التى صنعتها خصيصاً لك لعذابك لكى ما يطرحوك تحتها و يسحقوا بها جسدك !
أجابه القديس قائلاً : أيها الإمبراطور المسكين !! أنا عبد ليسوع المسيح , فاصنع
الآن ما أردت .. عند ذلك أمر داديانوس جنوده بأن يبدأوا عملهم مع القديس بهذا
النورج الوحشى ... نظر القديس إلى هذه الآلة الوحشية و هو ذاهب إليها , ورفع عينيه
إلى السماء و صلى قائلاً : " أشكرك يا سيدى يسوع المسيح لأنك جعلتنى مستحقاً
لشركة آلامك المحيية لأنك يارب ارتفعت على خشبة الصليب بين لصين .. هوذا قد صنعوا
لى أنا النورج , و لكن !! أين تكون عذاباتى من عذاباتك أنت يا مخلصى الصالح ! ..
يا من مد السماء بحكمة , و جعل فيها المطر و الندى .. يا من جعل السحاب يمطر على
الصديقين و الخطاة .. يا من وزن الجبال بالمثقال و أقطار الارض بالميزان .. يا من
ظهر لنا على الأرض فى الايام الأخيرة بتجسده من القديسة مريم العذراء الزكية
النقية بسر لا يدرك ولا يفحص و لا يعلمه أحد من البشر , و لا يستطيع أحد من البشر
أن يفهم سر ميلادة العجيب ... يا من مشى على الماء ولم تبتل قدماه ... يا من من
بالخمس خبزات أسبع خمسة آلاف ... يا من زجر البحر و الرياح فسكتت لأمرهلأنها
خليقته ... لتحل رحمتك على عبدك جرجس لأن الرحمة فى يدك و الخلاص من عندك .. لك
المجد مع أبيك الصالح و الروح القدس إلى أبد الآبدين .. آمين .. " . و لما
قال كلمة آمين .. ألقوه تحت هذا النورج و لما أصبح بين هذه الأطواق الرهيبة ,
أداروها جميعاً , و للحال سحقت عظامه , وانقطعت جميع أوصاله , وتناثر لحمه , و
اضمحل جسده ... عند ذلك رفع داديانوس ه قائلاً فى نشوة من انتصر على عدوه : قد
عرفتم الآن أيها الملوك أنه ليس إله سوى أبولون وبوسيدون وهرمس و هرقل , هذه
الآلهة هى التى زينت السماء , وأعطت الملك للملوك , و من قبلهم قبلهم تسيد
الأقوياء على الأرض ... أين هو إله جرجس الذى قتلته الآن ؟! لماذا لم يأت الآن و
يخلصه من يدى ؟! " ثم أمر داديانوس بجمع تراب عظام القديس الذى صار كالهشيم ,
وقطع لحمه , و التراب الذى إرتوى من دمه المقدس , وأن يطرح كل ذلك فى جب عميق لئلا
يظفر أحد من النصارى بقطعة واحدة منه فتجرى بواسطتها العجائب .. ثم قام مع ملوكه و
ذهبوا إلى القصر لعمل وليمة احتفالاً بهذا النصر المزعوم على عدو آلهتهم !! بينما
الملوك الأردياء يحتفلون بما أسموه بالنصر على القديس مارجرجس و يحتسون كؤوس الخمر
حتى الثمالة .. إذ بالجو يظلم , و السماء تكتسى بالسحب , و حدثت بروق و رعود مفزعة
, حتى إرتجت الأرض كلها من أساسها .. واذ برب المجد يأتى على مركبة من الشاروبيم ,
و معه ربوات الملائكة , ووقف عند ذلك الجب الذى طرحوا فيه أشلاء القديس . قال الرب
لميخائيل : "أعطنى لحم ودم و عظام حبيبى جرجس .. " . فأخذها ميخائيل
ووضعها أمام الرب الإله , فتناولها بيده و قال : " هكذا اليد التى جبلت آدم
الأول هى التى أيضاً تجبلك و تعطيك الحياة يا صفيى جرجس , لكى يعلم هؤلاء الملوك
أنى أنا إله إبراهيم و إسحق و يعقوب .. " . عند ذلك نفخ فى وجهه نسمة الحياة ,
فقام القديس من بين الأموات فقبله الرب و أعطاه السلام , و صعد إلى السموات مع
جنود ملائكته .
أما
القديس فقام مسرعاً وظل يمشى فى شوارع المدينة إلى أن أتى إلى مكان اجتماع هؤلاء
الملوك السبعين فوقف أمامهم و ضرخ بأعلى ه :
أيها
الملك المغرور , أنت يا من إنضممت لحزب إبليس الذى حل عليه الغضب و اللعنة , أنت
يا من تريد أن تحارب إله السماء و الأرض , أنت يا من تعبد هذه الحجارة الدنسة ..
هل تعرفنى الآن ؟! نظر إليه داديانوس بدهشة قائلاً له : من أنت ؟! قال القديس :
أنا جرجس الذى أمرت بقتلى بهذه الآله اللعينة التى صنعتها خصيصاً لى . صرخ
داديانوس قائلاً : ليس هذا جرجس بل ظله !! وصرخ ملك أخر : ليس هو بل آخر يشبهه !!
أما الأمير ( أناضوليس ) فقد صرخ فى الملوك و قال : أما تستحون يا كفرة إذ تغطون و
تخفون يقة ؟!بيقة هذا هو جرجس عبد الله الإله الحى الذى أقامه يسوع المسيح من الموت
, و لهذا فإنى الآن أؤمن به و جميع جنودى الذين فى خدمتى . حينئذ غضب الإمبراطور
داديانوس و أمر باخراجهم جميعاً خارج المدينة , و يقسموا عشرة أقسام , و يقتلون
جميعاً بالسيف ... و هكذا أكملو شهادتهم فى الخامس من شهر أمشير و كانوا نحو ثلاث
آلاف جندى و أميرهم ( أناضوليس ) غير الجموع الواقفين من الرجال من الرجال و
النساء و عددهم أربعمائة ... وكان القديس يشجعهم و يقوى إيمانهم ....
فأمر
باحضار القديس , وأرقدوه على سرير من نحاس , ثم أتوا بمرجل ورصاص وأذابوه فى
النارحتى صار كالماء , وجعلوا قمعاً من حديد فى فمه , وأخذوا يسكبون الرصاص فيه
حتى تغرغر من شدة الغليان ... فى نفس الوقت دقوا جسده فى السرير بمسامير,. وبعد أن
انتقموا منه بهذا التعذيب أخذوه ووضعوه فى السجن . فجاء إليه رب المجد و شفى
جراحاتهو ملأه بالقوة و عزاه , وفى الصباح الباكر جاءوا فوجدوه واقفاً يصلى ووجه
يشرق من النور البهى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق
يسعدنا تعليقكم علي الموضوع